إلي الإنسان الحائر

فجر عاطف

حاولت كثيرا أن أبدا تلك الفكرة, فقد مرت فترة طويلة علي آخر ما كتبت , ولكن كلما هممت وأسرجت عناني لكتابتها توقفت , فقد كان حلمي فيها يفيض علي جوانب فكري فيغرقها, آتيه في محاولة الاقتراب من المعني الذي أتصوره وأحاول نقله ، وأخيرا أشعر بالعجز من أن يصل ما أعنيه أو أن أجد الكلمات الدالة المعبرة، فأضع القلم وأرجئ الفكرة إلي حين أن أقوي علي أن أمسك بتلابيبها ، وأظل إلي ذلك أتحصن بالقراءات والمعلومات لتعيرني شجاعتها في التعبير عما أريد .
كل ذلك حتى أوقفني الوقت علي حكمة غالية, جعلت الفكرة تبدأ مع قلمي من نهايتها ، وهي أن السفينة الراسية تظل في أمان 0000ولكن ليست لهذا خلقت , هكذا الفكرة 00كانت مقالا أو مشروعا أو حلما 00يظل صاحبه في معزل عن الانتقاد والأخطاء, ما لم يبدأ في التنفيذ 000وهو إن أمِن حينها, فقد خسر في الحقيقة فكرته أو حلمه0
تلك خاتمة القضية, لأننا حين ننمى بداخلنا هدفا متسعا, ذو طموح يتخطي الحواجز وتسويف الظروف , قد نصطدم بما أصابني في البداية , فيظل الهدف يكبر ويكبر , حتى يصيبنا بالهلع والخشية , أن نقترب منه أو نحاول تنفيذه , فنقدسه كفكرة وصلت إليها أحلامنا , والحقيقة أننا لم نثبت عليها , وفررنا حتى قبل أن نصل إلي نقطة البداية 0
الإنسان محورا
حين يبحث علم الاجتماع في عقبات وحوائل النمو في بلادنا , نجده يخرج بنتيجة مفداها , أن من مظاهر وفي نفس الوقت أسباب حالة التخلف السائدة, "علاقة عدم التناسب الحاد بين عوامل الإنتاج المختلفة 0حيث يبرز القصور في عناصر مثل رأس المال ورجال الأعمال الأكفاء ، علي حين نجد وفرة في عناصر الطبيعة و الأيدي العاملة، وإن كان الأخير يتصف بنقص الكفاءة" (1) ويفسر ذلك "بأن أولئك الأفراد ظلوا لعصور طويلة محرومين من فرص التدريب علي تطوير مبادراتهم الفردية الخاصة 0000" .(1)
يعود ويتحدث عن أن "افتقار المبادأة", قد أدي مع عوامل أخري إلي حدوث ما نعانيه من تبعية اقتصادية.
والخوض في ذلك ليس بالعسير, فجزء ليس بالصغير, من مشكلاتنا أننا تقولبنا في أطر حياتنا, ورثنا حدا وحيزا لا نسمح لعقولنا أو أفكارنا أو حتى أحلامنا وما نتمنى أن تتعداه, والأمر ليس حكرا علي تفسير آثار المجتمعات الاشتراكية صاحبة أفكار الإخماد الوظيفي للهدف والطموح, بل هي ثقافة من النمطية تسربت لتشمل الكثير من المجالات ، حتى صارت ميراثا نُجبل عليه الأجيال , وندفعهم دفعا لأن يتبنوه ,واقفين كالمرصاد, بحائط من حكايا الفشل , وتجارب من معاناة من حاول التمرد علي ارث التقولب والنمطية0
وفي الميراث الثقافي المصري, أو في علم "الفلكلور", العلم الذي يؤكد أن الثقافات تتوارث عاداتها عن طريق "المثل" وهو حصيلة قصيرة, ذات صورة شائعة0نجد أن أمثالنا الشعبية التي تجري علي الألسنة مجري الحكمة وفصل الخطاب, تكرس لمفاهيم قتل الطموح " اللي يبص لفوق يتعب, قيراط بخت ولا فدان شطارة, من يترك صنعة أبوه وجده يلقي وعده0000".
وبالعودة لعلم الاجتماع, نراه يصف تلك المجتمعات التي ننتمي إليها بـ" الاستاتيكية" وهي سمة نظرية تعني الثبات والجمود النسبي ببعض الخصائص والسمات العامة, والتي منها "استهداف إشباع الاحتياجات المباشرة فقط من الناحية الاقتصادية, واجتماعيا يتميز مجال الوعي بأنه ضيق ومحدود بشكل يهدد إمكانيات النمو والتقدم لو ظلت الأوضاع علي حالها".(2)
ولذلك كان "التحسين" الذي يفكر فيه أبناء تلك النوعية من المجتمعات هو "تطوير محدود لواقع شديد التخلف, ومحدود منطقيا بآفاق إدراكه وبحدود البدائل التي تتيحها ثقافته"(2)


أما التقدم فهو ابن لنوعية أخري من المجتمعات تسمي "الدينامية" وإنسانها يتميز "بالخيال والفضول والتطلع إلي معرفة وفهم مجالات من الخبرات التي لم يطرقها أحد من قبل , والرغبة في إعادة صياغتها وتشكيلها في ضوء رؤية متجددة "(2)
كما تتميز تلك المجتمعات, بالاستعداد "لممارسة السلوك الإنساني لأول مرة، وهي تمارس موقفاً تجريبياً نقدياً يستهدف تحقيق مستقبل جديد متطور باستمرار، وعن النشاط الاقتصادي فيسعى إلي تحقيق أعلي عائد ممكن لا يرتبط باحتياجات الفرد التقليدية أو المرتبطين به، فهو لا ينتج بهدف الاستهلاك فقط بل ولا يتخذ الاستهلاك الشخصي له ولمن يعولهم مؤشرا للانطلاق، و خلاصة ذلك السعي نحو أقصي تعبئة ممكنة لكل الطاقات الكامنة في إطار البناء الاجتماعي القائم". (2)

تابع بقية المقال عبر هذا الرابط
http://www.iktifa.com/?zPage=Systems...s=Show&ID=7089